قمراً دفَنّا في الترابِ ولا يزالُ هو الذي فينا يعيشُ ونحن موتى..
نحن الذين من التّرابِ، على التّرابِ، إلى الترابِ، كما خُلقْنا لا خلودٌ في الحياةْ.
ها أنت تسكنُ في الترابِ/ القبرَ وحدكَ، ثمّ إنّا الآن من فوق الترابِ وليس من قبرٍ لنا غير الجُلودِ، وليس من فوقِ الجُلودِ سوى الثّيابِ، وليس من فوق الثيابِ سوى الوطنْ !!!..
قمراً دفَنّا في الترابِ، وقد بقِينا بعدَهُ كالتّائهينَ على الظّلامْ..
لا فجرَ إلا صارَ ليلاً حالكاً، والليلُ يخنقُ من ينامْ..
لا صوتَ غير الآهِ والآحزانِ تجْلِدُنا بهذا الفقْدِ من دون ِالأنامْ...
لا شيءَ غير الصمتِ ينخرُ في الكلامْ..
لا قلبَ إلا والأسى من فوقِهِ بالدّمع يهطُلُ كالغَمامْ..
(عمرو) الذي قد كان يرتادُ الجميعَ، تراهُ خلّفَ حسرةً في الروحِ ليس لها دواءْ..
تركَ الحياةَ وراءَهُ ومضى شُجاعاً للأمَامْ..
كان الربيعَ، وبعدهُ كلّ الفصولِ هي الشّتاءْ..
لا بسمةً فوق الوجوهِ، ولا أماناً في البقاءْ..
لا غيثَ يهطلُ غيرَ أوجاعِ الرّجالِ، وغيرَ أحزانِ النّساءْ..
لا صوتَ يعلو بعد جُرْحٍ بالسّلامْ..
لا نجمَ يسطعُ بعد حُزنٍ في السّماءْ..
كلّ الذين تكوّمُوا من خلْفِهِ كانوا هَبَاءْ..
كلّ الذين تساقطُوا من حولهِ كانوا خريفاً قد جَفَا..
كانوا خَواءً قد تقنّعَ بالوَفَا...
سقطوا كَمِلْحٍ بين ماءٍ كانَ شيئاً واختفَى.. !!!.
لم يبقَ غيرُكَ صامِداً يا مَن كسرتَ حواجزَ المُتقنّعِينَ المُرْجِفِينَ، وحالُهم: أحنُوا الرؤوسَ وخبّؤوها كالنّعامَةْ..
أرْدَوْكَ لّما كنتَ أشجعَ من تصَدّى دونَ خوفٍ ما تَعَامَى..
تلكَ الرّصاصَةُ لم تَكُنْ في قلبِ روحِكَ يا أخي إلا وِسَاما !!..
جِسراً إلى الجَنّاتِ، يا مَنْ كنتَ أرفَعَهم مقاما..
سيظلُّ اسمُكَ خالِداً فينا، وأنتَ هُنَا لَدَيْنا..
روحٌ تُرفرِفُ بالمحبّةِ والشّهامةِ والإِبَا..
صوتٌ جميلٌ جاءَ من زَمنِ الصّبَا..
وسَنَاً تدلّى ما خَبَا
ويدٌ تُغِيثُ العاجُزينَ، وخيرُها دوماً إلينا..
أنتَ الشّهيدُ وللشّهيدِ مقامُهُ في جنّةِ الرحمن يُرْزَقْ..
حَيٌّ وإنْ أرْدَتْكَ كَفٌّ بالرّصاصِ فأنتَ تسمُو بالشّهادةِ لستَ تغْرَقْ..
أنت الذي بذرَ السّعادةِ يا أخي دوماً علينا..
الآنَ بعدَكَ كلّ هذا الحُزْنَ يجتاحُ الحنايا كاللّهَبْ..
يرسو كطَوْدٍ فوق أضلاعِ الفؤادِ وقد وَجَبْ..
فعليكَ رحمةُ ربّنا ما جاءَ طيرٌ أو ذَهَبْ.
عَدَّ الحروفِ وعَدَّ نبضٍ في الفؤادِ وما كتَبْ..
وهَبَ الإلهُ أمانةً، واليوم يأخذُ ما وَهَبْ..
#نبيل_جباري