وماذا بعد يا خالي:
قضيت العمر مبتسماً
وفي كفّيك بحر الخير لم ينضبْ
وَجُودك منه لم يتعبْ
فأردى قلبَك السامي قضاءُ الله
وانشقتْ سماواتٌ
لتبلغَ روحُك الخضراء نحو الله
لكي تلقاهُ بالطاعات عبدالله
هناك هناك في العالي..
لك الغفران يا خالي.
رحلت إلى جنان الخلد نسألها لك الرحمنْ...
وخلّفت الدموع الحُمر في الأوجانْ..
في الأبدان
وفوق هوادج الكثبان....
وقلبي لم يزل ثاوٍ على جنبيَّّ يسألني:
ويسأل حشرجات النّبض ،
يا الله :
ما للموت يأخذ كل آمالي..
ويخرسُ فرحة الدنيا ويسلبُ بغتةً خالي.
أتعرفُ كيف صرنا الآن
لا شيءٌ تُراهُ اليوم يشبهُنا
ولا بحرٌ،
ولا نهرٌ
ولا نزفٌ
ولا إنسانْ...
مضيتَ مخلّفاً إيّاي في المنفى
وفي عينيَّ جرحٌ لن تضمّده سوى عينيك إن أقبلتَ تبحث عن شظايا الموت في حالي.
وقد ولّيت يا خالي.
جِنانٌ ابنتي..أعرفتْ!!!؟
تسألني عليك الآن !
وتسألني متى سنجيءُ نحو الحبّ
نحو الجودِ
نحوك نغسلُ الأحزان...
يُخيَّلُ لي بأنّ منادياً نادى بهذا الصوتْ ...
يا جدّاهُ
يا أبتاهُ
يا خالاهُ
يا عمّاهُ......
أيسمعني ويسمع كل من ناداك هذا الموتْ !!
أخبرني متى سنجيء كي نلقاك يا غالي !!
إلى الفردوس يا خالي.
وأوّابٌ يشوّقني ...
يقول إلىّ :
يا أبتي متى نذهبْ !!!؟
فجدي قال أن نذهب
أألبس يا أبي هذا...
ويلبسهُ...
ويلبس كل إحساسي وأنفاسي
ويمسكني بأفراحِ البراءة في صباح العيدْ..
كي نأتيك مبتسمين دون جراح.
يخيّلُ لي....
فكيف أردُّ يا خالي
إذا جئنا ولم نلقاكْ
ولم تفرح عيونُ الشوق حين نراكْ...
فكيفَ أصدُّ أهوالي.
وأمرُ الله ليس يُردُّ يا خالي.
أنا المحتاجُ أن ألقاك قبل اليومِ
قبل الموتِ
قبل البعدِ دون وداعْ....
وأن ألقاك يا خالي تضمّدُ هذه الأوجاعْ..
بدونك صرتُ لا أدري
أحيٌّ أم أنا ميْتُ !!
ودونك يا ضياء العين،
لا أدري
أنجلسُ وحدنا في البيتِ يا خالي
بدونك أنت لن يحلو لنا بيتُ..
ودونك ضاقت الدنيا
وضاقتْ كلُّ أحوالي...
فكيف أعيشُ يا خالي؟!!
أنا الباكيُّ والمبْكِيُّ هذا اليوم..
أنا الدّمعُ الذي لم يشبه الأمواج قبل اليومٍ !
غيابي َّجَبَّ أحبابي ...
وصالي قدَّ أوصالي...
وحالي في رحيلك لم يعد حالي...
وأعرفُ أنّ هذا الموت سوف يبيد كل القوم...
آجالٌ لأعمارٍ
وأعمارٌ بآجالٍ.
إلى الفردوس يا خالي.
وكنتَ النورَ،
من يدري !!
أنبصرُ بعد فقد النور...
أيمكنُ أن نعيشَ العمر بعدك فرحةً وسرورْ...
بفقدك تبحثُ الأحزانُ فينا عن مباهجنا
وعن أحلامنا العذراء
عن أقصى أمانينا...
وتصلبنا جميعاً بالأسى، والدمع
بالحبٍّ الذي يحتلُّ ماضينا...
فكيف تكوِّرُ الآلامُ آلاماً
وتدخلُنا بغير إرادةٍ منا
وتسلبنا مباهجنا
وتعصرنا دماءً من مآقينا..
وتعلم أنت
أنّ الحزن يكتب كل أقوالي
ويختمُ كل أفعالي
فكيف يكون هذا الحزن مكتوباً
ومقدوراً
ومجتاحاً سرائرنا
ومحتلاً بصائرنا....
وأضحى عمرنا الحالي.
لك الجناتُ يا خالي.
فمن سيوزّعُ البسمات للأطفال إن جاؤوا
ومن سيطارد الأتراح بالأفراح
ومن سيجيءُ بالخير الذي لم تعرف الدنيا لنا خيراً بغير يديهْ...
ومن سيجيب إن تسمع صباح الخير يا جَدِّي
صباح الخير يا وجه المسرات الذي اعترفتْ به الدنيا...
فمن سيجيبُ إن تسمع مناداةً لأحفادُكْ
ومن سيردُّ يا أكبادنا سيروا، دعوه ينامْ...
فقد أضناهُ هذا العيش بالداء الذي انتكست له الأيامْ
وولّوا بعدُ عن بابكْ...
وهم ينوون أن يأتوك يا خالي.
هنا أحفادك انكسروا أمام مقامعٍ للبينْ
وناحوا أين أنت اليوم يا جَدٍّي؟!!
لقد جئنا نفتّشُ عنك حول البيت..
إذا ما غبتَ يا جدّي يغيبُ العيدْ...
هنا أحفادك انتشروا
وقلبي حولهم يبكي
وصمتي خاف ان يحكي
وحزن القلب يُبكِي العين.
فسوف تظل يا خالي
قريباً.. خالداً فينا
ونسأله لك الغفران ..
نسأله لك الفردوس...
ونسأله لنا صبراً على الأحزان والأوصابْ
ورحمته التي وسعت فضاء الكون أن تتغمّد الأحباب.
لك الفردوس يا خالي.
لك الرحمن يا غالي
( نبيل الجباري)