( مُــكـــــاءُ الأعـــاصـيـــــر):
كُلُّ رأسٍ سينحني يا دِلاءُ
وشموخٌ مآلُهُ الانحناءُ
إنّما تنحني السنابلُ ملْأى
والخوالي رؤوسهن خواءُ
عَنْدِلِ اللحنَ في دمي يارفيقي
(واسكب الضوءَ والنّدى يا دجاءُ)
كم تمنيتُ أن أراك طروباً
تتغنّى من الهوى ما تشاءُ
مالصمتي وما لبوحي سبيلٌ
صمتيَ الأرضُ والسماءُ النداءُ
والأعاصيرُ حادياتُ المنايا
والتّباشيرُ كالأماني هبَاءُ
يا حياتي ويا ورودَ ربيعي
كيف يقسو عليك هذا الشتاءُ
كان حلماً فتلَّهُ لجبينٍ وهنيئاً لمن أطاعَ الفداءُ
واحترقنا بشوقنا فذرونا
حين ذرّت رمادها العنقاءُ
كلما غادر الوصال تلَظَّى
قلبَهُ الداءُ واستحال الدواءُ
كلما شفّني الهوى بحنينٍ
ساقني الشوقُ نحوها واللقاءُ
ليس أشقى من الّنوى غير قلبي
واشتياقي إلى التداني شقاءُ
أتُغنِّي وفي فؤادك جرحٌ
يا فؤادي وليس فيه الشفاءُ
وأنادي ولستُ أسمع صوتاً
غير صوتي، وفي ندائيِ نداءُ
أَعْرُجُ الليلَ بالخيال
فيمضي
مثل ظلي إذا أهَلَّ الضياءُ
راحةُ القلبِ أن يراك سعيداً
باسِمَ الروحِ يعتليك البهاءُ
هذه الأرض قطعةٌ من فؤادٍ دونها النفس والهوى والدماءُ
وهواها هوى الفؤاد، وأحيا
بهواها، ففي هواها الهواءُ
غيَّمَ الهجر في النجوم الأماني
وأعَزَّ الكرى علينا المساءُ
اصدحي يابلابلي وتَغَنِّي
قد يزيح العناءَ عنك الِغناءُ
يُقْسِمُ الشعر أنّه حين يسمو
بالعذارى يذيبهنّ السَّناءُ
ثم يتركنه أسيرا يسيراً (فالعذارى قلوبهنَّ هواءُ)
صفَّقُ القلبُ والعنادلُ ماستْ
بحنينٍ يضمُّهنَّ المُكَاءُ
أثخنتني جراحُ سجني وقيدي
وحروفي ورحلتي والحُداءُ
ورفاقي حقائبي حين أغدو
مثل طيرٍ له الرفيقُ الفضاءُ
دمعةُ القلب والندى، وعيوني
يشبه الدمعُ بعضَه ُوالعناءُ
لَبِناتٌ من البناتِ تسامتْ
وتسامَى من البنينِ البِنَاءُ
ثَمَنُ الدمعِ إنْ تساقَطَ بَخْسٌ
ليت شعري متى يُكفُّ البكاءُ؟!ٍ
صعقةُ البوحِ كم تُصدِّعُ صمتاً
في حديثٍ عمادُهُ الأنبياءُ
لن ترى الأرضَ يا قرين المنايا
دون أمْنٍ كما أراد العداءُ
فلقد قِيلَ بعد سلبٍ ونهبٍ
إنّني منكِ يا بلادي بَراءُ
(قسماً لن ينال منك دخيلٌ
(أو يبيع المكاسبَ العملاءُ)
واشترى الله للجهاد نفوساً
بجنانٍ أعزهنَّ الشِّراءُ
وابتُلِينا محبّةً فصبرنا
وعلا الصبرُ ، ثمَ هان البلاءُ
يسقطُ الغيثُ حين تعلو الأيادي
بدعاءٍ ولا يردُّ الدعاءُ
أيّها الحلمُ والسنابلُ خضرٌ
حين أينعتَ أجدب الارتواءُ
يعبق الوردُ في خدودِ الغواني
فإذا الوردُ والخدود سواءُ
وتدلّى قطوفَ بُنٍّ هواها
وتدنّى أمامهُ الكبرياءُ
مأتمُ النّأي قد طوى كلَّ عُرْسٍ
وطوى فرحةَ القلوبِ العزاءُ
قد تعَرَّى طوْدُ الحنين بريحٍ
صرصرٍ حولها يئنُّ العراءُ
ثم صلّى على السُّهول خشوعاً
بنسيمٍ يغارُ منهُ النّقاءُ
قَلَّبَ القلبَ ثمّ أخلى سبيلاً
بين قلبين كي يطولَ الجفاءُ
انثريني لآلئاً وجُماناً
بين روحين ملَّهُنَّ الخِباءُ
ليس في الأرض من جبانٍ ولكنْ
يمنعُ الحُبُّ أهلَهُ والولاءُ
أَيُّ عشقٍ، وقد خلوتُ بحزني
كسُلافٍ خلا بهنَّ الإناءُ
يرتقيني سوطٌ من القهرِ أدمى
مثلما يمتطي *النُّجوم*َ الحِذاءُ
بلسِمِي الجرحَ بالتداني، فإنّي
بعدَ صدٍّ يروقُني الاعتناءُ
واعصريني على شفاهك خمراً
واحتسيني فإنما أنا ماءُ
وأفيضي من الحنان علينا إنما يُسكِرُ النّفوس العطاءُ
طلّةُ الأُفْقِ في الأصيل تناغي
حُمْرةَ الخدِّ إنْ أطلّ الحياءُ
إنّ شوقي إليك قد شقَّ قلبي ثمّ أشقاهُ في هواك البقاءُ
أنصفَ الشوقُ بيننا قولُ شوقي:
(أنتم الناسُ أيها الشعراءُ)
(نبيل جباري)